أصبح العمل عن بُعد شكلاً شائعاً من أشكال التوظيف المرن، نتيجةً طبيعيةً للثورة الصناعية والتكنولوجية المتواصلة. في عالمنا المتسارع، غالباً ما تكون ظروف وأساليب العمل التقليدية غير كافية لمواكبة التطورات المتسارعة. ويتطلب سوق العمل بشكل متزايد مناهج مبتكرة تُعزز إنتاجية العمال وتُحسّن تدفق رأس المال.

لذا، من الضروري تطبيق حلول مرنة تتكيف مع الظروف المتغيرة وتواكب بيئة الأعمال المتطورة. وقد سهّلت التكنولوجيا الحديثة اعتماد أنظمة العمل عن بُعد، مما يسمح للموظفين بالعمل دون قيود ساعات العمل المحددة أو الحاجة إلى التواجد الفعلي في المكاتب التقليدية. وتمتد هذه المرونة عبر الحدود، مما يُمكّن الموظفين من العمل من بلدان مختلفة مع أداء واجباتهم المهنية عن بُعد.

أولا: مفهوم عقد العمل عن بعد

تناول المشرع الأردني مفهوم عقد العمل عن بُعد ضمن الإطار الأوسع لعقود العمل، كما هو موضح في المادة 2 من قانون العمل الأردني. ويُعرّف القانون عقد العمل بأنه "اتفاق صريح أو ضمني شفهي أو مكتوب يلتزم بموجبه العامل بالعمل لدى صاحب العمل وتحت إشرافه أو إدارته مقابل أجر، ويكون عقد العمل لمدة محددة أو غير محددة أو لعمل معين أو غير معين."بالإضافة إلى ذلك، تنص المادة 805/1 من القانون المدني الأردني على مزيد من التفصيل من خلال النص على: "عقد العمل هو عقد يلتزم فيه أحد الطرفين بأداء عمل لصالح الطرف الآخر تحت إشرافه وإدارته وتوجيهه مقابل أجر.

في عام ٢٠١٧، أصدر المشرّع الأردني نظام العمل المرن رقم ٢٢، الذي برز خلال جائحة كوفيد-١٩. تناول هذا النظام في البداية ترتيبات العمل المرن بشكل عام، دون أن يُعرّف العمل عن بُعد صراحةً، وهو أحد أشكال العمل المرن. عُدّل النظام في عام ٢٠٢٤، موضحًا في المادة ٢ أن عقد العمل المرن هو "..."اتفاق مكتوب يلتزم بموجبه العامل بالعمل لدى صاحب عمل ضمن أحد أشكال العمل المرن المحددة في هذا النظام وتحت إشراف وإدارة وتوجيه صاحب العمل مقابل أجر."

علاوة على ذلك، يحدد القانون العمل عن بعد بأنه "العمل الذي يؤديه العامل مقابل أجر خارج الأماكن المخصصة للعمل."لذلك، يمكن تعريف عقد العمل عن بعد بأنه اتفاق قانوني بين صاحب العمل والعامل حيث يوافق العامل على أداء واجبات محددة دون الالتزام بساعات العمل التقليدية أو متطلبات التواجد الجسدي في مكان العمل، مقابل أجر متفق عليه.

ثانيًا: خصائص عقد العمل عن بُعد

يتميز عقد العمل عن بعد بعدة خصائص تجعله مختلفا عن عقود العمل التقليدية:

  1. تنفيذ العمل خارج مكان العمل: في نظام العمل عن بُعد، يؤدي العامل واجباته في مواقع مختلفة، كالمنزل أو المقهى أو أي مكان آخر خارج مقر صاحب العمل. المعيار الأساسي هو إنجاز مهام العمل، والذي غالبًا ما يُسهّله تبادل الملفات والتواصل الرقمي.
  2. استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات: من السمات المميزة للعمل عن بُعد الاعتماد على أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. يستخدم العاملون التكنولوجيا، مثل المواقع الإلكترونية والبريد الإلكتروني والإنترنت والأجهزة المحمولة، لأداء مهامهم. وقد استخدم المشرع الأردني مصطلح "تكنولوجيا المعلومات" في سياقات قانونية مختلفة، كما هو الحال في قانون المعاملات الإلكترونية رقم 15 لسنة 2015، الذي يُعرّف المعاملات الإلكترونية بأنها "المعاملات التي تتم بوسائل إلكترونية".
  3. فعالية التكلفة للعمل عن بعد: العمل عن بُعد مُجدٍ اقتصاديًا، إذ يُخفّض تكاليف أصحاب العمل المرتبطة بتوفير أماكن عمل فعلية، ووجبات الطعام، والتدفئة، والمواصلات. تُسهم هذه الكفاءة في التكلفة في بيئة عمل أكثر استدامة وإنتاجية.

ثالثًا. نماذج عقود العمل عن بُعد

يمكن أن تتخذ عقود العمل عن بُعد أشكالًا مختلفة، ونظرًا لتنوعها، يصعب تصنيف جميع الأنواع المحتملة تصنيفًا دقيقًا. ومع ذلك، تُعدّ بعض أشكال العمل عن بُعد أكثر شيوعًا، خاصةً عندما تكون بيئات العمل التقليدية غير عملية. وتشمل هذه الأشكال العمل من المنزل، والعمل في مراكز خدمات الأعمال، والعمل عن بُعد عبر الهاتف، والعمل في حالات الطوارئ.

  1. العمل عن بعد في المنزل:

يُعد العمل من المنزل من أقدم أشكال العمل عن بُعد وأكثرها انتشارًا. يتضمن هذا العمل قيام الموظف بأداء مهام العمل من منزله، باستخدام أدوات الاتصال الحديثة للتعاون مع صاحب العمل. عادةً ما تُجهّز مساحة مخصصة داخل المنزل لتلبية متطلبات العمل، وغالبًا ما يتكفل صاحب العمل بأي نفقات ضرورية. يوفر هذا النوع من العمل مرونة كبيرة، مما يُقلل من ضغوط العمل، ويُسهم في الحد من البطالة من خلال توسيع فرص العمل.

وفي حين لم يقم المشرعون الأردنيون أو المصريون بتعريف العمل من المنزل على وجه التحديد في قوانين أو لوائح العمل الخاصة بهم، فقد اعترف الفقه الفرنسي بهذا الشكل من أشكال العمل باعتباره نشاطًا يتم إجراؤه خارج مقر صاحب العمل باستخدام جهاز كمبيوتر، وذلك في المقام الأول لتحسين نوعية الحياة الشخصية والمهنية.

يُنشئ العمل من المنزل علاقة قانونية بين الموظف وصاحب العمل، حيث يُؤدى العمل خارج مقر المؤسسة باستخدام أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وينطبق هذا على مختلف الأدوار الوظيفية، بدءًا من المدراء التنفيذيين والمهنيين وصولًا إلى المهام الإدارية. وقد يتنوع نطاق العمل بين دوام كامل وجزئي، وبين العمل في المنزل غالبًا وزيارة مكان العمل التقليدي من حين لآخر. يُميز الفقه القانوني غالبًا بين "العمل من المنزل"، الذي قد لا يتضمن بالضرورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، و"العمل عن بُعد من المنزل"، الذي يعتمد بشكل مباشر على التكنولوجيا، مع وجود فرق رئيسي يكمن في طبيعة العلاقة الإشرافية.


2. العمل في مراكز خدمة الأعمال، والعمل عن بُعد عبر الهاتف المحمول، والعمل عن بُعد في حالات الطوارئ:

مراكز خدمات الأعمال: يجوز لأصحاب العمل إنشاء مراكز اتصال عن بُعد بالقرب من سكن العامل، مُجهزة بأجهزة اتصال حديثة، مما يُتيح للموظفين البقاء على اتصال دائم بصاحب العمل أثناء تأدية مهامهم. وينتشر هذا النوع من الترتيبات بشكل خاص في المناطق الريفية التي تفتقر إلى بنية تحتية متطورة للاتصالات. وتتنوع هذه المراكز في أشكالها، بما في ذلك:

  • المراكز المجاورة: مرافق إلكترونية مشتركة يستخدمها العديد من أعضاء المجتمع المحلي.
  • المقر الإلكتروني: مراكز الخدمة التي توفر الوصول الفوري إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتقع غالبًا في المناطق الريفية أو شبه الريفية.
  • المكاتب الفرعية: وحدات منفصلة بعيدة جغرافيا عن المكتب الرئيسي للشركة، مع الحفاظ على التواصل الإلكتروني المستمر، وتقع عادة بالقرب من منزل الموظف.
  • مراكز الاتصال: المرافق التي يتولى فيها المشغلون إدارة المكالمات باستخدام أنظمة الاتصالات المتكاملة، وتوفير خدمات مثل التسويق عبر الهاتف.

العمل عن بعد عبر الحدود: يحدث هذا النوع من العمل عن بعد عندما يكون العامل وصاحب العمل موجودين في بلدان مختلفة، وغالبًا ما تكون بلدانًا مجاورة، حيث تفصل بينهما حدود جغرافية.

العمل عن بعد عبر الهاتف المحمول: العمل عن بُعد عبر الهاتف المحمول يعني أن الموظفين يؤدون واجباتهم من مواقع مختلفة، مثل المنزل، أو السيارة، أو القطار، أو الفندق. يفتقر هذا النوع من العمل إلى الإشراف المستمر، حيث يُقيّم أداء الموظف بناءً على المهام المنجزة بدلاً من حضوره الفعلي. يُمارس العمل عن بُعد عبر الهاتف المحمول على نطاق واسع، ويأتي في المرتبة الثانية بعد العمل من المنزل. وهذا يُؤكد عدم أهمية الموقع الفعلي في أماكن العمل الافتراضية، حيث تكون مساحة العمل الأساسية هي شبكة الاتصالات الرقمية.

العمل عن بعد في حالات الطوارئ: تنطبق هذه الفئة في الظروف الاستثنائية التي تمنع العاملين من الوصول إلى أماكن عملهم المعتادة، مثل حالات الأوبئة، والاضطرابات المدنية، والكوارث الطبيعية، والظروف الجوية القاسية. في هذه الحالات، يجوز للموظفين أداء واجباتهم عن بُعد بشكل غير منتظم، دون الالتزام الصارم بساعات العمل المحددة مسبقًا أو المهام الوظيفية المحددة التي يفرضها صاحب العمل.